موضوع: اختلاف الإعراب النحوي في القرآن الكريم الجمعة نوفمبر 02, 2018 2:54 pm
[0]وضع العلماء شروطًا للشخص الذي يريد تفسير القرآن الكريم، حيث لا بد له أن يكـون عالما ملما بمجموعة من العلوم والمعارف التي تعينه على تفسير آيات كتاب االله تعالى. وتعتبـر هذه العلوم بمثابة الأدوات التي تعصم المفسر من فهم معاني آيات كتاب االله على غيـر حقيقتهـا فتوقعه في الخطأ والزلل. وأوضح العلماء أن هذه العلوم تشتمل على خمسة عشر علما لا بد للمفسر مـن الإحاطـة بهـا والتمكن منها ليستطيع تفسير كلام االله –U .- ومن هذه العلوم علم الإعراب، وذلك لأن المعنى يختلف ويتغيـر بـاختلاف الإعـراب وتغييره، ووظيفة الإعراب ومهمته تمييز المعاني عن بعضها البعض والوقوف علـى أغـراض (2 (المتكلمين . ومن أقوال العلماء في بيان حاجة المفسر إلى الإعراب ما يأتي: (3 (أولاً: عن عمر بن الخطاب قال: (تعلموا اللحن والفرائض والسنن كمـا تعلّمـون القـرآن) ، ويقصد باللحن الإعراب وقواعده. (4 (ثانيا: عن يحيى بن عتيق قال: (قلت للحسن: يا أبا سعيد، الرجل يتعلم العربية يلـتمس بهـا حسن المنطق، ويقيم بها قراءته، قال: حسن يا ابن أخي فتعلّمها، فإن الرجل يقرأ الآية فيعيـا بوجهها فيهلك فيها) (5) .
(1) الإعراب في القرآن الكريم – ص 51. (2) انظر: البرهان في علوم القرآن – الزركشي – 1/301 ،والإتقان في علوم القرآن – السيوطي – 2/563 ،والزيادة والإحسان في علوم القرآن – ابن عقيلة المكي – 1/402 ،والتفسير والمفـسرون – الـدكتور محمد حسين الذهبي – 1/189. (3) مصنف ابن أبي شيبة – كتاب الفرائض – باب ما قالوا في تعليم الفرائض – 6/242 – حديث (31035.( (4) يحيى بن عتيق: الطفاوي بضم المهملة وتخفيف الفاء البصري ثقة من السادسة. انظر: (تقريب التهذيب) – ابن حجر العسقلاني - 2/310. (5)المطلب الأول: أثر اختلاف الإعراب في تعدد المعاني التفسيرية تحدثنا في المبحث السابق عن أهمية الإعراب بالنسبة للتفسير التحليلي وحاجة المفسر إليه. ولبيان وثيق الصلة بينهما قال الدكتور مازن المبارك: "إن التخلي عن الإعراب في لغة (1 (تعتمد حركات الإعراب للتعبير عن المعاني النحوية كاللغة العربية هدم لها وإماتة لمرانتها ، وإن في ترك حركات الإعراب إلباسا لكثير من الجمل والتعبيرات لباس الإبهام والغموض... إن كثيرا من الجمل تضيع معانيها بضياع الإعراب فيها، ومن ذا الذي يستطيع أن يقرأ من غير (2 (الإعراب ويفهم مثل قولنا: إنما يخشى االله من عباده العلماء ، وما أحسن زيد...؟؟" (3) . وهذه العلاقة الوثيقة أطلق عليها الدكتور تمام حسان المعني الدلالي علـى اعتبـار أن الدلالـة (4 (النحوية لها تأثير في الدلالة اللغوية المفهومة من النص . ومما سبق يتبين أن العلامة الإعرابية لها معناها الدلالي الخاص بهـا، حيـث إنهـا لا تقتصر على وظيفتها النحوية فقط؛ بل تقوم بوظائف مزدوجة بين الوظيفـة النحويـة والمعنـى (5 (الدلالي . وتطبيقًا على القرآن الكريم فقد اختلف النحويون كثيرا في إعراب آياته ممـا أدى إلـى تعدد المعاني الناجمة عن اختلافاتهم تلك. وقد أرجع الأستاذ عبد الخالق عضيمة الاختلاف فـي الإعراب إلى سببين: الأول: أسلوب القرآن المعجز، بحيث لا يستطيع أحد الإحاطة بجميع مراميه وأهدافـه، فاحتمـل كثيراً من المعاني والوجوه. الثاني: إن النحويين لا يعرفون الحجر على الآراء، ولا تقديس آراء الغير، فـاحتفظوا لأنفـسهم بحرية الرأي والتعبير (6) . وقد أضاف مشرفي الدكتور عبد السلام اللوح سببا ثالثًا وهو دليل على صلاحية القـرآن لكل العصور والأجيال، فاختلاف الحركات يؤدي إلى مرونة المعاني وتنوعها، وكل معنى يخدم جيلاً وعصرا وثقافة وحضارة، ويواكب ويعالج القضايا المستجدة في حياة الأمة. وكأن الكلمـة شعب الإيمان – البيهقي – باب في طلب العلم – 4/321 – حديث (15المطلب الثاني: أثر اختلاف الإعراب في إظهار الإعجاز اللغوي إن القرآن الكريم قد بلغ الذروة في الفصاحة والبيان والإعجاز، وإعجاز هذا الكتاب (1 (الخالد متحقق في الإعجاز اللغوي الذي صوره ابن عطية في تفسيره بقوله: "... وكتاب االله لو (2 (نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد" . وقد أشار الرافعي (3) إلى انفراد أسلوب القرآن العظيم بالإعجاز دون سائر أساليب البشر، فقال: "وفي القرآن مظهر غريب لإعجازه المستمر، لا يحتاج في تعرفه إلى روية ولا إعنات... ذلك هو وجه تركيبه أو هو أسلوبه، فإنه مباين بنفسه لكل ما عرف من أساليب البلغاء في ترتيب خطابهم وتنزيل كلامهم، وعلى أنه يواتي بعضه بعضا، وتناسب كل آية منه كل آية (4 (أخرى في النظم والطريقة، على اختلاف المعاني وتباين الأغراض..." . لذا كان لا بد للكلام كي يكون بليغًا أن يراعى فيه معاني النحو، فكان من أشهر البلاغيين الذين عنوا بدراسة أحوال التراكيب في الجملة وكذلك دلالتها ووظائفها البيانية هو (5 (الإمام عبد القاهر الجرجاني حيث اعتبر المعاني النحوية والفروق المعنوية بين التراكيب من دلائل الإعجاز، وأن فصاحة الكلام وبلاغته ترجع إلى خصائص التراكيب ووضع كل عنصر من عناصر الجملة في موضعها المناسب لمقتضى الحال، فقال: "... فإذا ثبت الآن أن لا شك ولا مرية في أن ليس "النظم" شيئًا غير توخي معاني النحو وأحكامه فيما بين معاني الكلم، ثبت من ذلك أن طالب دليل الإعجاز من نظم القرآن، إذا هو لم يطلبه في معاني النحو وأحكامه ووجوهه وفروقِه، ولم يعلم أنها معدِنه ومعانُه – أي موضعه (6) - وموضعه ومكانه، وأنه لوأخيرا فإن القرآن الكريم هو آية في البلاغة والفصاحة، فهو بالإضافة إلى أنه منهج حياة يشتمل على الأحكام التشريعية التي تعني الفرد والمجتمع وتخصه وتهمه. فإن تفسير آياته وتحليلها وفهم معانيها يحتاج إلى فهمٍ واعٍ وجاد لعلم الإعراب. وبهذا المطلب ينتهي الجانب النظري من هذه الدراسة، ونشرع –بإذن االله تعالى– الجانب التطبيقي بدءا بسورة الفاتحة. واالله الهادي إلى سواء السبيل. [/color][/b]